الخميس، 22 سبتمبر 2016

أزمة على الأبواب

 


تغطية لمجلة نيوزويك بشأن عدم صرف رواتب العمالة الوافدة في الكويت ودول الخليج.


أزمة على الأبواب


من إعداد: ليلى حاطوم وعبدالله العليان

ترجمة: مايا سليمان


عندما تمتنع الدولة عن دفع مستحقات الشركات، تتأخر الرواتب ويعاني العمال المهاجرون.

 

محمد، رجل لبناني في العقد الثالث من عمره، يمضي أيامه قلقًا حول سداده القروض التي أخذها تعويضًا عن رواتبه المتأخرة. باع سيارته وأثاثه وأعاد زوجته إلى لبنان وهو يسكن الآن مع صديق له في السعودية منتظرًا من شركة "سعودي أوجيه" دفع مستحقاته.

سعودي أوجيه، الشركة التي يعمل لديها محمد ومعه أكثر من 300,000 موظف، هي إحدى أضخم تكتلات البناء في المملكة. وكحال منافستها السعودية مجموعة بن لادن، الشركة كانت ولا زالت تواجه مشاكل مالية وضغوطًا بسبب الديون الضخمة والمشاريع والمدفوعات الحكومية المتأخرة.  وكلا من سعودي أوجيه ومجموعة بن لادن حرمتا الحصول على عقود حكومية جديدة خلال السنة الماضية مما فاقم ضغوطهم المالية.

يقول محمد (وهو إسم مستعار) مصرحًا  لنيوزويك ميدل إيست "لم يُدفَع لنا شيء منذ أوكتوبر الماضي" ويضيف قائلًا: "أهلي يرسلون لي المال من لبنان بين الحين والآخر بعد أن كنت أنا من يرسل المال لهم. الشباب هنا [أي زملائه من العمال] يقترضون المال من بعضهم البعض لتغطية نفقاتهم الأساسية."

محمد، كملايين العمال المهاجرين في منطقة الخليج العربي، غادر بلده لبنان للعمل في الخارج بهدف تأمين المعيشة لعائلته، لكنه لم يكن يعلم أن الشركة حسنة السمعة التي إنضم إليها بحماس كانت ستضحي به لتنقذ نفسها وتتركه في وضع حرج.

ومحمد ليس وحيدًا في هذه الحالة الصعبة، فعشرات آلاف العمال المهاجرين في بلدان التعاون الخليجي، السعودية والكويت على وجه التحديد، كانوا ولا زالوا عالقين في أوضاع مشابهة عاجزين عن تأمين بدل رجوعهم إلى بلدانهم أو حتى شراء الطعام في وقت تنفذ فيه أموالهم وتبقى رواتبهم غير مدفوعة ويُفصل الكثيرون منهم من أعماله.

معظم هؤلاء العمال يتهافتون من الهند والفيليبين وباكستان ونيپال ولبنان.

وخلال العام الماضي، فشلت أسعار النفط في الوصول إلى مستويات أمجادها السابقة التي تخطت ال 75$ للبرميل، راكدةً قرابة سعر ال40$ للبرميل مع تخوف كثيرين من استمرار هبوط الأسعار.

 

الأخبار السيئة


بالنسبة لمستهلكي النفط، هذا التوقع بمثابة الفوز باليانصبب. فاقتصاداتهم لن تُثقل بأسعار النفط المرتفعة وقد يمنحهم هذا فرصة لتركيز إنفاقهم على مشاريع تتعلق بالتنمية الإجتماعية-الإقتصادية. أما بالنسبة للإقتصادات المصدرة للنفط فهي تنتظر بفارغ الصبر إجتماع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في أواخر شهر نوفمبر بهدف إنعاش محتمل لأسعار النفط - إيرادات ذهبهم الأسود. فالهبوط المطول لأسعار النفط أثر على إيرادات دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالهايدروكاربونات، مجبرًا معظم المنتجين/المصدرين للنفط في الشرق الأوسط على ترشيد الإنفاق، والكثير منهم يتجه نحو تقليص محتمل تاريخي في ميزانيتهم الوطنية هذه السنة - في سابقة لعلها تكون الأولى تاريخيًا. يشرح إقتصاديون لنيوزويك ميدل إيست قائلين أنه نتيجة لهذا، أجلت بعض دول مجلس التعاون الخليجي دفع مستحقات الشركات التي تنفذ مشاريع بإسمها، شركات البناء على وجه التحديد. لكن تأخر مدفوعات الدولة أثر على الشركات المعنية حتى أن بعضها إضطر أن يغلق أبوابه بسبب غياب فرص العمل. يقول الإقتصادي المعروف ناصر سعيدي: "الإنخفاض في أسعار النفط أنتج مشاريع مؤجلة وتأخرًا إمتد لأشهر في دفع الدولة لمستحقات الشركات... قد يؤدي هذا إلى أزمة سيولة، في السعودية على وجه التحديد، مع معاناة تطال عملية التسليف والدورتين الإقتصادية والمالية بسبب النقص في السيولة". وحين تعجز الشركات عن دفع الرواتب، لن يكون بإمكان المصارف إسترداد القروض التي كات قد منحتها، وتبعًا، سيتغلغل هذا التأثير في الإقتصاد ويؤدي إلى نقص في السيولة. يضيف سعيدي، وهو وزير لبناني سابق للإقتصاد والصناعة ونائب سابق لحاكم مصرف لبنان المركزي، قائلًا: "أثر التأجيل طال أيضًا مزوّدي الشركات إلى جانب أطراف أخرى، والوضع قد يتفاقم أكثر فأكثر"

 

عمال الكويت المهاجرون


راج عامل هندي مهاجر في العقد الثالث من عمره يكدح لإثنتي عشر ساعة في اليوم في مطار الكويت مقابل 150$ في الشهر، وهو مبلغ بالكاد يكفي لسد حاجات عائلته وتكلفة طعامه. وحتى هذا المبلغ يتم تأجيل دفعه معظم الأحيان، كما يقول لنيوزويك ميدل إيست. وكآلاف العمال المهاجرين في الكويت، معظم هؤلاء ممن يعملون في المرافق الحكومية يتم توظيفهم عبر متعاقدين من القطاع الخاص. ووفقًا لبعض العمال، الحصول على عمل في مرفق حكومي هو بمثابة "الفوز باليانصيب": "لا تعلم إن كنت ستنعم بسعادة أبدية أو ستعيش أشهرًا دون مرتب."

مرتب راج بالكاد يسد حاجاته مما يجبره العمل بطريقة غير شرعية في أعمال جانبية للبقاء على قيد الحياة ومساعدة عائلته. أما التسول والعيش على الإعانات الخيرية وتوصيل الطعام وتنظيف المنازل ما هي الا جزء من الأعمال التي يضطر معظم العمال المهاجرين ذوي الدخل المنخفض أن يلجؤوا إليها ليتمكنوا من إرسال المال إلى منازلهم.

وفقًا لراج، هو وعشرات العمال الآخرين العاملين في المطار إحتجوا في الماضي على شيكات متأخرة لم يحصلوا عليها لما يقارب الثلاثة أشهر، لكن الوضع مستمر على حاله.

 وفقًا لمسؤول نقابي كويتي فضّل عدم الكشف عن هويته، توجد "شركات أخرى" في الكويت أخّرت مدفوعاتها لأشهر لكن معظم موظفيها يخافون التقدم بشكوى معتقدين أنهم لن يحصلوا على نقودهم عندها". ووفقًا لهند الصبيح وزيرة الكويت للشؤون الإجتماعية والعمل ووزيرة التخطيط والتنمية، كان هناك 4,233 شكوى تقدم بها عمال مهاجرون هنود بين يوليو 2015 ويوليو 2016. وأضافت قائلةً: "هذا يمثل أقل من واحد بالمئة من إجمالي عدد العمال الهنود في الكويت".


تحت السيطرة


يختلف الحال في الإمارات العربية المتحدة إذ تتأكد وزارة العمل من وجود ضمان مالي لكل عامل تقوم الشركة المعنية بتأمينه. الوزارة تتدخل بشكل مباشر لحل المشاكل المتعلقة بالمدفوعات المتأخرة وغالبًا ما تساعد في إرسال العمال إلى بلدانهم أو نقلهم إلى مرافق عمل جديدة إن أرادوا ذلك.

"لا يمكن لصاحب العمل التملص من مسؤولياته"، يقول حبيب الملا، رئيس مكتب محاماة بايكر ومكنزي حبيب الملا، ويضيف قائلًا: "يوجد نظام يحمي رواتب العمال والحكومة تجبر أصحاب العمل على تسجيل بياناتهم لدى وزارة العمل التي تراقب بدورها عملية دفع الرواتب. يجب على الجميع أن يكون مسجلًا في البيانات".

وفقًا لنائب رئيس البعثة في السفارة الهندية، مرّت بعض الحالات الفردية في الإمارات والسفارة تمد يد العون في كل مرة يُلفَت انتباهها لقضية معينة. لكن أنباءً عن تسريح عمالٍ في الإمارات العربية المتحدة ليست بالأمر المستغرب على الرغم من أنه أمر لا يحدث في الامارات بالوتيرة نفسها التي يحدث بها في السعودية و الكويت أو على ذات المقياس الكبير. فعلى سبيل المثيل، تم فصل موظفي عدد من الكيانات المرتبطة بالحكومة (government-related entities) بما فيها تلك الموجودة في العاصمة أبو ظبي. وإحدى الشركات عللت الموضوع بقولها: "جميع من تخطى الستين من العمر سيتم إيقافه عن العمل قانويًا."

في هذه الأثناء، يقول محمد أن القنصلية والسفارة اللبنانيتين لم تؤمنا بعد أي مساعدة، ويضيف قائلًا: "يُتوقع رجوع القنصل إلى جدة قرابة الحادي والعشرين من أغسطس، ورجل سوداني يعمل في السفارة اللبنانية قد تسلم الملف. كل ما طلبته السفارة كان نسخة من تأشيرات إقامتنا والأرقام الدولية لحساباتنا المصريفية".


العودة إلى الديار


بعكس تجاهل لبنان لمحنة شتاته، كانت الهند سريعة في العمل على مساعدة مواطنيها في الخارج. العمال الهنود الذين يواجهون أزمة غذائية في السعودية والكويت سيصبح بامكانهم أخيرًا العودة إلى ديارهم بعدما بعثت الهند في مطلع الشهر وزير دولة من وزارة العلاقات الخارجية لمعالجة الأزمة. الوزير ڤيجاي كومار سينغ قال أن الحكومة السعودية ستساعد في إعادة آلاف الهنود العاملين في السعودية إلى الهند. وزيرة خارجية الهند سوشما سواراج قالت في أواخر شهر يوليو أن أكثر من ١٠,٠٠٠ هندي كانوا عالقين في السعودية و الكويت وكانوا يواجهون "كارثة غذائية"، وغرّدت قائلةً: "عدد كبير من الهنود خسروا وظائفهم في السعودية والكويت، وأصحاب العمل أقفلوا مصانعهم ولم يدفعوا بعد رواتب هؤلاء العمال". القنصلية العامة الهندية في جدة كانت أيضًا توزع مساعدات غذائية لرعاياها الذين لا زالوا يعانون منذ شهر يوليو، إذ أن ما يقدر بثلاثة ملايين هندي يعيشون في السعودية وملايين آخرون يعيشون في بلدان الخليج العربي بما فيها الكويت، وأسعار النفط المنخفصة إضافة إلى تضييق الدول الخليجيه الخناق على الإنفاق الحكومي أدى إلى تسريح الشركات للآلاف من الموظفين.


وعود فارغة؟


على الرغم من تداول أنباءٍ حول تحرك الحكومة السعودية لحل مشكلة محنة الآلاف من موظفي سعودي أوجيه، يقول محمد أن أيًا من هذه الوعود لم تتحقق بعد. فالمدير العام لمكتب العمل في جدة زايد السباعي وعد الموظفين الأسبوع الماضي أن الحكومة ستهتم بوضعهم، والذي يقول محمد أنه أمر لم يحصل بعد. "منذ حوالي ١٥ يومًا، قام بإعطاء الموظفين ثلاث خيارات: إما الحصول على تأشيرة خروج نهائي مع تذكرة عودة إلى ديارهم أو تجديد إقامتهم دون مقابل مادي أو نقلهم إلى مرفق آخر. على حد علمي، لم ينفذ أي من هذا"، يقول محمد.

ولكن وفقًا لوزارة العمل السعودية، قد تم إصدار حوالي ٥٠٠ تأشيرة خروج نهائي لعمال من شركة سعودي أوجيه حتى الآن. وستكون أولوية دفع الرواتب للمغادرين، وفقًا لمسؤولين سعوديين، على الرغم من أن المدفوعات لم تسَدَد بعد والأمر قد يستغرق بضع أسابيع إضافية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق